احتجاجات ضد الشرطة الإسبانية بعد مقتل شاب مغربي تم صعقه بمسدسين كهربائيين.. وهيئات سياسية تتحدث عن دوافع عنصرية
اهتزت مدينة توريمولينوس التابعة لمنطقة مالقا الأندلسية، على وقع وفاة شاب مغربي يبلغ من العمر 35 سنة، يدعى "هيثم"، خلال تدخلٍ للشرطة الوطنية الإسبانية داخل محل للاتصالات، في واقعة أثارت موجة غضب واحتجاجات واسعة، ودفعت عائلته وعددا من الهيئات السياسية والحقوقية إلى المطالبة بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
وحسب المعطيات المتداولة، فإن الحادث وقع أول أمس الأحد، عندما كان هيثم متواجدا داخل محل للاتصالات، قبل أن يتدخل ثمانية عناصر من الشرطة الإسبانية من أجل توقيفه وتكبيله، وخلال العملية، استعمل عناصرها سلاح الصعق الكهربائي "تيزر"، حيث تعرض الشاب لثلاث شحنات كهربائية بواسطة مسدسين، ليفارق الحياة في عين المكان إثر إصابته بسكتة قلبية متزامنة مع التدخل الأمني.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن مسدسات "تيزر" المستعملة قادرة على إطلاق شحنات كهربائية تصل إلى 1200 فولت، وتتسبب في شلل عضلي مؤقت يدوم ما بين 5 و10 ثوان، كما أظهر مقطع فيديو جرى تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي عناصرَ الشرطة وهم يسيطرون على هيثم خلف طاولة المحل، في وقت تُسمع فيه صرخاته من شدة الألم، مع توجيه أحد العناصر الأمنية عبارة له مفادها "ابقَ ساكناً وإلا سأصعقك مرة أخرى".
ووفق الرواية الرسمية للشرطة، فإن العناصر الأمنية انتقلت إلى عين المكان بعد تلقيها إشعاراً بمحاولة سرقة، مشيرة إلى أن الشاب كان محتجزا داخل المحل من طرف أصحابه، وعللت الشرطة تدخلها بأن هيثم كان في "حالة هيجان متقدمة"، وأن استعمال مسدسات الصعق كان بهدف "السيطرة عليه وتوقيفه بالنظر إلى وضعه".
في المقابل، تنفي عائلة الضحية ومعارفه هذه الرواية، مؤكدين أن ما وقع لم يكن سوى "سوء تفاهم"، وأن هيثم كان يطالب فقط بشاحن لهاتفه المحمول، ومنذ وقوع الحادث، خرج أفراد العائلة والعديد من سكان المدينة في مجموعة من الوقفات الاحتجاجية، مطالبين بالاطلاع على تسجيلات كاميرات المراقبة داخل المحل، كما نددوا بما يصفونه "تعسُّفاً أمنيا" و"استعمالا غير متناسب للقوة".
وأكد شقيق الضحية في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسبانية أن هيثم لم يكن يعاني من أي مرض في القلب، موردا أن السكتة القلبية كانت نتيجة مباشرة لشحنات الصعق الكهربائي، وقال "لا قلب يمكنه تحمل ذلك"، وقد زاد من حدة التوتر كون الحادث يأتي في سياق تسجيل وفاة ما لا يقل عن 4 أشخاص من أصول مهاجرة أو من فئات موصوفة توصف بأنها مستهدف بأفعال عنصرية، خلال تدخلات شرطية في إسبانيا خلال السنة الجارية.
وفي محيط محل الاتصالات الذي شهد الواقعة، أقيمت منصة تذكارية وُضعت عليها شموع ولافتات تحمل عبارات من قبيل قُتل هنا ظلما" و"سنحقق العدالة و"كفى من العنصرية"، في تعبير عن الغضب الشعبي والمطالبة بإنصاف الضحية، وتخضع القضية حاليا لتحقيق قضائي لتحديد مدى احترام عناصر الشرطة للبروتوكولات المعمول بها.
وتنص المادة الخامسة من القانون التنظيمي الإسباني رقم 2 لسنة 1986 على أن استعمال مسدسات الصعق الكهربائي يظل محصورا في حالات "الضرورة القصوى". كما تحذر شركة "أكسون" المصنعة لهذه الأسلحة من استخدامها ضد أشخاص في حالات هيجان أو اضطراب شديد، وهي توصية لا تتضمنها بشكل صريح البروتوكولات المعتمدة لدى الشرطة الإسبانية، فضلاً عن أن عناصر الشرطة الوطنية غير ملزمين بحمل أجهزة إزالة الرجفان القلبي.
وفي سياق متصل، شارك أعضاء حزب اليسار الموحد، إلى جانب مسؤولين سياسيين محليين وإقليميين، في وقفة احتجاجية أمام قصر العدل بمالقا، للمطالبة بوقف استعمال مسدسات "تيزر" وفتح تحقيق شامل في وفاة هيثم، وأعرب إرنستو ألبا، الكاتب العام للحزب الشيوعي في الأندلس، عن دعمه الكامل لعائلة الضحية، مؤكدا أن مقاطع الفيديو المتداولة لا تدعم الرواية الرسمية للشرطة.
وشدد ألبا على أن استعمال القوة في هذه الواقعة "يبدو غير متناسب"، معتبرا أنه لا يمكن تبرير وفاة شاب في الخامسة والثلاثين من عمره تحت أي ظرف، كما دعا إلى مراجعة بروتوكولات استخدام مسدسات الصعق، مطالبا بتحقيق شفاف يبدد الشكوك، بما فيها فرضية وجود دوافع عنصرية، خاصة في ظل تكرار وفيات مشابهة.
من جهته، صرح دافيد تيخيرو، مستشار حزب اليسار الموحد في مجلس بلدية توريمولينوس، أن المعطيات الأولية المستخلصة من الفيديو تشير إلى غياب مقاومة حقيقية من طرف الضحية، ما يجعل استعمال "تيزر" إجراءً مفرطا في القوة، وطالب بوقف استخدام هذا النوع من الأسلحة، مع التأكيد على ضرورة تحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين في حال ثبت أي تجاوز للقانون.




